الأحد، 23 ديسمبر 2012

مسلمة


^
بقدر ما يملؤني التفاؤل بقدر ما يزاحمه الحزن والإحباط  خااااصة من الملتزمين والملتزمات بدين الله ..  وسأكتفي اليوم بالحديث عن الأخوات فقط.. أحيانا أجد نفسي أنادي وما من سامع لندائي من البشر وكأنني في بئر عميق مهجور في وسط قفار وصحراء.. أو أنني أنادي فيصطدم ندائي بحائط ويعود لي ..
 ما دفعني لقول هذا الكلام أنني أرى أمام عيني خنوع وخضوع وتخاذل وتواكل ألبسه البعض من الأخوات لباس الدين، تبريرا لضعفهم وهوانهم ورميا بالمسؤولية على الذكور .. إلا من رحم ربي طبعا فلا أعمم.
حين أرى أخت في الله ما شاء الله عليها ملتزمة بحجاب شرعي أو نقاب كلامها وحديثها يملؤه الأحاديث النبوية والآيات القرآنية ... يملؤني الفرح وتغمرني السعادة .. لكن كما يقول إخواننا المصريين "يا فرحة ما تمت" .. حين أراها تستعمل آية "وقرن في بيوتكن" كلباس يغطي ضعفها وهوانها في إثبات نفسها والدفاع عن دينها والتمكين له ... لكي لا تكون عنصرا فاعلا في المجتمع ... لكي لا تكون عنصرا فاعلا في عائلتها نافعا لنفسها وزوجها وأبنائها .. لكي لا تطلب حتى العلم الشرعي بدعوى أنها لا تخرج فالدنيا اختلاط وفتن ..  لكي لا تعتمد على نفسها في شيء حتى وإن توفي زوجها أو دخل سجن وجدت نفسها في حالة ضياع كبير ... وحين تحدّثها عن ضرورة أن تكون عنصر فاعل في الدعوة لله وفي طلب العلم..  وفي تمثيل نفسها وأخواتها والدفاع عن حقوقها ..تقول "لا أخرج اتقاء لله من الفتن  والله لن يضيعني وتحتج  بآية " وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا" ..
صدقوني يعجز اللسان عن الكلام والألم يستبد بي وأنا أرى كيف يستميت أعداء الدين في محاربتنا بكل الطرق ونحن نلبس ضعفنا وهواننا لباس دين..  آيات قرآنية وأحاديث نبوية نستعملهم في غير محلهم لكي نبرر لأنفسنا وغيرنا " ضعفنا "
كيف لنا أن ندافع على وجودنا وننشر ديننا ونمكّن له ونحن نفضّل التواكل على التوكّل والعلم والعمل.. ؟  من سيتكلم بألسنتنا ويدافع عنا وعن حقوقنا ونحن نترك المجال للغير ليجعلنا مواطنين مرتبة ثانية أو لا يعتبرنا مواطنين أصلا .. ؟
 أقارن حالنا بحال أسلافنا الأطهار ونسائهم العظيمات اللاتي حفرن أسماؤهن في تاريخنا ..
وتمر على خاطري  أمثلة كثيرة من النساء اللاتي يجب أن نحتذي بهن ولا أذكر لكم الآن إلا المحاربة أم المحاربين نسيبة بنت كعب  فأتنهد بعمق وأقول في نفسي "أين نحن من هذه المرأة العظيمة  والله إن قصتها تلامس قلبي وتجعل الدماء تثور في عروقي ... فأشعر بقوتي تغلب ضعفي وحماستي تطغى على عاطفتي وتسري في عروقي وشرايين ...  
وإليكم قصتها
(نسيبة بنت كعب)
"
ما التفتُّ يومَ أُحد يمينًا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني" .
يقول النبي صلى الله عليها وسلم عنها
: "لمَقَاَم نسيبة بنت كعب اليومَ خيرٌ من مقامِ فلان وفلان" (ابن سعد)..
وتقول عن نفسها:
رأيتُنى وقد انكشف الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما بقى إلا فى نفر لا يتمُّون عشرة، وأنا وابناى وزوجى بين يديه نذبّ عنه (ندافع عنه)، والناس يمرون به منهزمِين، ورآنى لا تِرْسَ معي، فرأى رجلاً موليًا معه ترس، فقال صلى الله عليه وسلم لصاحب الترْس: "ألْقِ تِرْسَكَ إلى مَنْ يقاتل". فألقى تِرْسَه، فأخذتُه، فجعلتُ أتَتَرَّسُ به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحابُ الخيل، لو كانوا رجالاً مثلنا، أصبناهم إن شاء اللّه، فأقبل رجل على فرس، فضربنى وتترستُ له، فلم يصنع سيفُه شيئًا، وولَّي، فضربتُ عرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابنَ أم عمارة، أمك أمك، فعاونني عليه حتى أوردته شَعُوب (الموت). فسمعـتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "بارك اللّه عليكم من أهل بيت، رحمكم اللّه -أهل البيت-" [ابن سعد].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم  : "
اللهم اجعلهم رفقائى فى الجنة" [ابن سعد].
فقالت أم عمارة: ما أبالى ما أصابنى من الدنيا.

ويقول ابنها عبد الله بن زيد: جُرِحْتُ يومئذٍ جرحًا، وجعل الدم لا يرقأ (لا يسكن عن الانقطاع)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اعصب جرحك"، فتُقبل أمى إلي، ومعها عصائب فى حقوها، فربطتْ جرحي، والنبى  صلى الله عليه وسلم واقف ينظر إلي، فقال: "انهض بُنَى فَضارب القوم". وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة".
 قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني، فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا ضارب ابنك". فاعترضتُ له فضربتُ ساقه، فبركَ. فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى رأيتُ نواجذه، وقال : "استقدتِ (أخذتِ ثأركِ) يا أم عمارة"، ثم أقبلنا نُعِلُّهُ (تتابع ضربه) بالسلاح حتى أتينا على نَفَسِه. فقال صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي ظفرك" (ابن سعد).

إنها السيدة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصاري، المعروفة بأم عمارة، وأمها الرباب بنت عبد الله بن حبيب بن زيد، أنموذج حـَى من نماذج النساء المؤمنات المخلصات، وواحدة من امرأتين حضرتا بيعة العقبة الثانية، وتقول فى ذلك: كانت الرجال تصفِّق على يدى رسول الله ( ليلة العقبة، والعباس آخذ بيد النبي ( ، فلما بقيتُ أنا وأم منيع أختي؛ نادى زوجى "غُزية بن عمرو": يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك، فقال النبي ) : "قد بايعتُهما على ما بايعتُكم عليه، إنى لا أصافح النساء" [ابن سعد
.
جاهدتْ فى الله بكل ما أوتيتْ من قوة، ونذرت نفسها لإعلاء كلمة اللّه، فقاتلتْ يوم أُحد وجُرِحت اثنتى عشرة جراحة، وداوت جرحًا فى عنقها لمدة سنة حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان" [ابن سعد]، ولما نادى النبي  إلى حمراء الأسد، شدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، كما شهدت الحديبية وخيبر وحنينًا ويوم اليمامة..
كانت نسيبة تحافظ على حضور الجماعة مع النبي ( كبقية النساء آنذاك، فتسمع منه الدروس وتتعلم أدب الإسلام
.
ولما بلغها أن ابنها "حبيبًا" قتله مسيلمة الكذاب، ومثَّل به -حين بعثه أبو بكر إليه؛ ليدعوه إلى الإسلام ويُرْجِعُهُ عن افتراءاته وكذبه- عاهدتْ الله أن لا تموت دون هذا الكذَّاب؛ لهذا جاءت الصديق أبا بكر -عندما أراد إرسال الجيش إلى اليمامة لمحاربة المرتدين ومسيلمة الكذاب- تستأذنه فى الخروج مع الجيش، فقال لها: قد عرفنا بلاءَكِ فى الحرب، فاخرجي على اسم اللّه. وأوصى خالدَ بن الوليد بها خيرًا، وفى المعركة جاهدت وأبلت أحسن البلاء، وجُرحت أحد عشر جرحًا وقُطِعَتْ يدها، واستشهد ابنها الثانى عبد اللَّه، وذلك بعد أن شارك معها فى قتل مسيلمة عدو اللّه.
ول
ما هدأت الحرب وصارت أم عمارة إلى منزلها؛ جاءها خالد ابن الوليد يطلب من العرب مداواتها بالزيت المغلي، فكان أشد عليها من القطع، ولهذا كان أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- يعودها - وهو خليفة - بعدما عادت من اليمامة؛ لأنه أكرم فيها إيمانها وصدقها وبطولتها، وعَرَفَ شهادة نبى الله صلى الله عليه وسلم  فيها؛ لهذا ظل يسأل عنها ويعودها، حتى شُفِيَتْ بإذن الله.وكان خالد بن الوليد يزورها ويعرف حقها ويحفظ فيها وصية سيد البشر صلى الله عليه وسلم.
تلك هي المسلمة المجاهدة الداعية المربية، التي تعدُّ الأبطال، وتربى الرجال، التي لا تعبأ بما يصيبها فى الدنيا، بعد أن دعا لها النبي ( برفقته فى الجنة، فكانت فى طليعة المؤمنات الصادقات، ورصَّعَتْ تاريخها على جبين التاريخ لتكون نموذجًا يُحتذي

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Lady Gaga, Salman Khan